اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 244
خَلَقْناكُمْ وقدرنا تعيناتكم وأظهرنا هوياتكم أولا من كتم العدم ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ وزيناكم بمقتضيات اوصافنا وأسمائنا وخلقناكم باخلاقنا ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ المهيمين المستغرقين بمطالعة جمالنا اسْجُدُوا اى تذللوا وتواضعوا لِآدَمَ المصور على صورتنا تعظيما لأمرنا وتكريما له إذ هو مرآة مجلوة تحاكى عن عموم اوصافنا وأسمائنا وترشدكم الى وحدة ذاتنا وبعد ما شاهدوا آثار عموم اوصافنا وأسمائنا عليه فَسَجَدُوا له جميعا متذللين إِلَّا إِبْلِيسَ الذي هو رأس جواسيس النفوس الخبيثة لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ مع كونه من زمرتهم ومن عدادهم حين أمروا
ثم لما امتنع إبليس عن سجود آدم قالَ سبحانه إظهارا لما تحقق في علمه وكمن في غيبه من خبث طينة إبليس ما مَنَعَكَ يا إبليس أَلَّا تَسْجُدَ لخليفتى ولا تمتثل بأمري وقت إِذْ أَمَرْتُكَ مع رفقائك قالَ إبليس في الجواب حسب هويته الباطلة واهويته الفاسدة أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وأفضل إذ قد خَلَقْتَنِي يا مولاي مِنْ نارٍ منير وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ مظلم كدر ولا يحسن تذلل الفاضل للمفضول المرذول وبعد ما امتنع إبليس عن مقتضى الأمر الوجوبي ولم يتفطن بسره الذي هو التوحيد الذاتي إذ الأمر بسجود المظهر الجامع والظل الكامل انما هو امر في الحقيقة بالتوجه نحو ذي الظل الذي هو الذات الاحدية والمعبود الحقيقي المتجلى عليه رده سبحانه وطرده عن ساحة عز حضوره
حيث قالَ سبحانه مهددا إياه مبعدا فَاهْبِطْ ايها المطرود الملعون وابعد مِنْها من ساحة عز التوحيد وجنة الذات المقتضية اللائقة المستحقة للتذلل والتخشع ورفض الالتفات الى الغير والسوى مطلقا فَما يَكُونُ اى ما يصح وما يجوز لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها بادعاء التفضل والتفوق المقتضى للاضافات الناشئة من انانيتك الباطلة فَاخْرُجْ منها مطرودا مخذولا إِنَّكَ حيث كنت واين أنت مِنَ الصَّاغِرِينَ الذليلين المحرومين بل أنت بخباءتك هذه سبب صغار عموم الأذلاء وسائر الأشقياء ثم لما ايس إبليس عن القبول وحرم عليه ساحة عز الحضور بسبب إبائه عن سجود آدم وامتناعه قالَ إبليس منتقما من آدم متضرعا الى ربه أَنْظِرْنِي وأمهلني يا ربي فيما بينهم لاضلهم واغويهم إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
قالَ سبحانه إظهارا للسر الذي قد أسلفناه في سورة البقرة إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ فيما بينهم ليتميز المحق منهم عن المبطل والمهدى عن الغوى
قالَ إبليس فَبِما أَغْوَيْتَنِي اى بسبب ما بعدتنى وطردتني يا رب لأجلهم لَأَقْعُدَنَّ والزمن انا البتة لَهُمْ اى لإغوائهم واضلالهم صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ اى على دينك وطريقك الذي أنت حسب حكمتك قد وضعت فيما بينهم لتوصلهم الى طريق توحيدك فاغويهم وارديهم دائما وأوسوس عليهم مستمرا بأنواع الوسوسة بعضهم بالفسق والظلم وبعضهم بالرياء والسمعة وبعضهم بالمخايل الفاسدة من اللذات الوهمية والخيالية وبالجملة اوسوسهم والبس عليهم لاخرجهم بأنواع المكر والحيل عن جادة توحيدك وصراطك المستقيم
ثُمَّ بعد ما اثر وسوستي في نفوسهم وسرى الى سرهم وقلوبهم لَآتِيَنَّهُمْ من جميع جهاتهم وجوانبهم مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ اى لضلهم بالمعاصي الحاصلة من قدامهم وكذا بالمعاصي الحاصلة مِنْ خَلْفِهِمْ وَايضا عَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَبالجملة استسخرهم واحيط عليهم باغوائى ووسوستي الى حيث لا تَجِدُ يا معز كل ذليل ومذل كل عزيز حين رجعوا نحوك وحصلوا دونك أَكْثَرَهُمْ بعد رجوعهم إليك شاكِرِينَ صارفين ما أوليتهم من النعم الى ما امرتهم
ثم لما طرده الحق وأبعده وانظره ابتلاء لعباده قالَ سبحانه اخْرُجْ ايها المردود المطرود مِنْها اى
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 244